Social Icons

الرسالة الثانية لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
الآن ، الأحوال هادئةٌ تمامًا ، انقضي النهار ، فارق الحياة ـ أو فارقته ـ من فارق ، حلّ ضيوف جدد عليها ، في كُلٍّ تُوج ذلك بصرخةٍ .
الليل يبدو مُمددًا حتي آخره ، القمر يتوسط السماء ، شاحبًا ، قد سئم حراستها .
السكون يدبّ في كل شيء ، يمتزج و الليل ككتلة واحدة ، غير مكترثة بالأسئلة أو الحسرات .
لا أحد يملك القدرة على نسيان العالم كما يفعل الأطفال ، أن يكون غير مسؤول ومستمتعًا به.
يحبون ما بين أيديهم فقط ، قد يبكون ما يغادر لحظات ، لكنهم ينسونه .
"تربية شوارع ، يخطفوا و يهربوا " سمعت ذلك من أحد ركاب الباص .
جعلتنا الدنيا ( تربية شوارع ) حقيقيين ، نحاول أن نخطف لحظات منها و نهرب ، بعيدًا عن صخب العالم .
لا يقلقني العالم ، لا يقلقني توصيف ( تربية شوارع ) ، من جاء لهذا العالم ينبغي أن يهدأ و ينتظر و لا يتوقع الكثير .
حتي و إن دعا العالم لأحد ولائمه ، لا اهتم ، فالكثيرين يعتذرون أو يموتون ، و أشباحهم تتوافد علينا في كل مكان .
ما يهم هو الروح و ألا يطولها خراب ، كلما ازدادت مرارة العالم لا تزداد صفاءً فحسب ، بل تزداد قوة الحلم ، يكون الطوفان الجديد من نوم الحالم و يقظته،الأرض التي لم يطهرها و لن يطهرها إلا مياه الأحلام ، حيث من يغرق هو الذي ينجو .
الماضي بالنسبة لي هو الماضي ، و لا أريد أن أعود إليه .
هل الأماكن هي نفس الأماكن ؟
هل النهار هو النهار لمجرد أنها نفس الشمس تشرق ؟
هل الليالي هي نفسها ، لمجرد أنه ظلام ؟
هل القلوب هي القلوب لمجرد أنها نفس الأجساد ؟
كل شيء أصبح ينتمي إلي حياة أخري .
المسافر يدرك أنه وصل لغايته ، حين يحس بأنه عاش حياته ، و أنه عاش ما يمكن أن يعيشه بأحسن طريقة ممكنة ، بحرية كاملة دون قيد أو شرط .
تدرين : يقلقني ،رغبتك عن مغادرة السرير ، و تعبك لأنك سترتدي ثيابًا تكرهيها و ترغمي نفسك على التصفيقِ والتلويحِ وتبادل الضحكات ،
يقلقني عدم حبك لنفسك ، شعورك بالخجل من أشياء كثيرة ،و نظرتك لحياتك كسلسلة من ندامات و أخطاء لا تغتفر .تتحملين الخوف وحدك ، تحاولين ارتداء الأقنعة كتعويذة ضد الخوف . تسلكين اتجاه التقهقر و تتنازلين عن ذاتك .
كل شيء لحظة من التقاطع الحاد ، تنتهي ، إما لصالحنا أو التماهي في الفراغ .
أعرف أنك تخافين الليل وحدك ، لأن لا أحد سيحكي لك قصصًا . “نحن جميعا نريد أن تحكى لنا قصص، ونحن نصغي إليها على نحو ما كنّا نصغي ونحن صغار، ونتصور القصص حقيقية، ومن أجل القيام بهذا فإننا نضع أنفسنا موضع الشخص الموجود في القصة، متظاهرين بأن في وسعنا أن نفهمه ."
لأجل سكينة الروح ، و شعف الأيام التي لم تولد ، لأجلك . ستكونين أنتِ ، و تحبين نفسك ، و لا تحبسينها خلف باب . لا تضيقين بالمفقودين ، و الأشياء التي لم تودعيها . النور سيملأ روحك . الفوضي ستضيع ، و كل شيء ضاق علي جسدك . سيطلع النهار علي قلبك و يجيء الصباح ؛ الهواءُ أصفى من عيونهم ، ولا أحدَ يتركُ أثراً في مرآة.
لأجلك ، ستكونين أنتِ ، دون حاجة لتفسير وجودك ، تتوحدين مع حركتك كفراشة ، تري الأمور بنور الندي علي جناحيها . سترين الأمور بنورك ،دون اغواء الانجراف مع التيار ، و لن يتجاوز ما مضي كونه ، عثرة في القلب .

.أذكرِك أنكِ حلوة.

حقوق الطبع والنشر ، محفوظة لـ مجلة انا وذاتي