Social Icons

الرسالة الثالثة والعشرون لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
لطالما كنت مبهورًا بقوانين نيوتن. وفقًا لها ، الذي يمكّن الأجسام الفضائية من الطفو في الفضاء، ليس تحددها و لا ثقلها الذي لا مفر منه، بل توازنها.
التوازن؟
ذراعي الأيمن أقوى بكثير من الأيسر لدرجة أني كنت أحس بعدم التوازن. اعتبرِك ذراعي الأيسر. أيضًا القلب ناحية اليسار، الجهة التي تحتلينها. أنتِ تحفظين توازن الحياة الهش.
قابلتِك؟ لا أنا وجدتِك، كمن كان يبحث عن ضالته.
أنا أيضًا مبهور بالروائح. فولبير لم يحب كوليه إلا باستعارة الروائح من النرجس حتى زهر الليمون. الروائح تنمي الشغف و تربي الوصال. غلبة ما يثيره الأنثوي، غلبة ما تثيريه أنتِ. حين اعانقِك، لا أضمك بل أميل عليكِ لأجل، رائحتِك، فردوس جسدك.
عالم نحوي كبير، إسمه الكسائى، أفنى حياته في دراسة النحو و اللغة. قال : " أموت و في نفسي شيء من حتى".
و أنا في نفسي شيء من حتى. حتى أثري ما عشته معِك، حتى أدرك ما لم أعرفه، معِك، حتى امتلأ بكِ، حتى أذوب فيكِ، حتى أكونِك، حتى تكونينني، حتى يكون أينا أنتِ أينا أنا.

أذكرِك أنكِ حلوة.

الرسالة الثانية والعشرون لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 يحكي كافكا في إحدى قصصه_ على لسان الرواي_ عن رجل حمل دلو و خرج ليحضر فحمًا و كانت هناك أزمة فحم. فى الطريق حمله الدلو، حتى دكان فحم، حمله الدلو أمام شرفة الطابق الثانى فوق دكان الفحم، أمام زوجة صاحب الدكان، و صاحب الدكان في الأسفل فى الدكان، يريد مساعدته و لكن الرجل لا يستطيع الهبوط ليخبره ماذا يريد. تضيق الزوجة ذرعًا بالرجل في الدلو، تحل مريلتها، مبعدة المتطفل كأنه ذبابة، الرجل فى الدلو خفيف؟ جدًا لدرجة أنه يطير بعيدًا.
الذي يحملك قد يأخذك إلى نقطة لا يعود فيها حتى الطلب المتواضع ممكن ؟
ما أريده أن تكونى أنتِ، تكبرين و تكبر فيكِ غواية الحياة ، تبسطين ذراعك_ خفيفة_ و المدي أمامِك واسعًا، تحلقين. تزدادين اكتمالًا بنفسك، لا حاجة بكِ لشيء يحملك، لا تحاولين التواؤم مع شكل ما، لا شيء ثقيل يقيد روحك و لا شيء يفلت من يدكِ إلا رماد ما مضى.
الملائكة و جنيات الأحلام تحرسك و هم فى زاوية سريرك، لا ذئب يخفيك في الليل بدل من حكاية الجدة.
تفعلين ما تشتهين، تعبرين كل طريق بشغف و دونما خوف.
كل لحظة ، تحسين فيها أنكِ أثقل من احتمال نفسك، تحسين فيها بالخوف من غول العالم، هى خيبة شخصية.
أن تضحكى دون أدنى خوف، هي جائزتي الوحيدة في هذه الحياة. و أصمت امام ضحكتِك لكثرة ما يخجلنى جمالها، كجمال لفظة إسمك المعسلة.
أحبِك، و لو كنتى، سيئة، مكسورة، مهزومة، و لو كنتى آخر قاتلة على وجه الأرض.
لا شيء معِك يبدو مفردة مجردة ككلمة فى المعجم، معِك، لكل شىء معنى.
أبحث معِك عن التشابك؛ تملكين حياة كاملة، و أملك حياة كاملة، و لكننا متشابكين، و كل شيء متقاطع.
نحن شركاء فى الحياة. لا. للدقة. أنتِ حليفتي ضد الحياة. أنتِ " امرأتي" و " مسدسي الباقي".
بالمناسبة، حتى الهروب منِك، ملئ بكِ.

اذكرِك أنكِ حلوة.

الرسالة الحادية والعشرون لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 تعرّف " إيمان مرسال " الموت أنه قد يكون" عدم القدرة على تبادل ذكرى مشتركة بين شخصين”
إذن ، ربما تكون الحياة هي أن يصبح كل شيء ذكري مشتركة بين شخصين ، اتحاد كامل . الحب أقوي من الموت ، أقوي من الخطيئة .
بعد موت " فان جوخ " ، كتب الدكتور " غاشيه " الذي كان قد فهم مريضه إلي شقيقه _ أقصد شقيق جوخ _ : " كلمة حب الفن ليست دقيقة ، علي المرء أن يسميها إيمانًا " .
الإيمان ؟
الإيمان الذي كان ( ينقص ؟ ) رامبو ، سواء بالله أو الإنسان . رامبو صديق الله الذي أنكر إسمه ، حين كان صغيرًا كتب علي أبواب الكنيسة : " يسقط الله " .
حلم رامبو بكل شيء ، و للحظة لم يقف شيء بينه وبين يقين الحلم : " أري في السماء شواطئ لا تنتهي تغطيها أمم بيضاء فرحة " .
القس الذي زاره قبل الوفاة لأخذ الاعتراف . رُوي أنه قال لشقيقته : " أخوك لديه إيمان .. لديه إيمان ، أما أنا فلم أحمل إيمانًا كهذا " .
الإيمان ؟
لم يُغرني أبدًا جمالك ، أنا أؤمن بروحك ، روح صافية بتول ، لا ذنب و لا خطيئة ، وفيرة بقدر ما هي نادرة و نادرة بقدر ما هي وفيرة في عالم كل شيء فيه مستعار ، كل شيء بديل . الناس يمضون حياتهم وهم يحاولون كسر الأغلال حولهم لكن القيد السري ينهشهم و يحرمهم الراحة .
الروح حافلة بما يدل عليها فلا عناء إذن في العثور عليكِ أو الاستدلال علي أزرقِك .
الأفضل هم الذين لا يعرفون أنهم أفضل .
" متي لا تعود الملائكة تشبه نفسها ؟ "
حتي و إن عادت الملائكة لا تشبه نفسها ، تشبهين أنتِ نفسك . في أكثر لحظاتِك يأسًا ، تزدادين تعطشًا للحياة . تصيرين ما أنتِ . لا تحسين بالخواء ، لا يطوقِك شيء ، لا تمرضين من وقوفك _ و لو_ وحيدة ، تكملين الشوط حتي النهاية ، لا تكونين واهنة الروح أبدًا و لا تحسين في ساعة أن سعيك كان هباءًا .
أنتِ أنتِ ؛ رَّحْم واسع ، ممتدة كغيمة ، طويلة كشجرة سرو ، و ظل كعريشة ياسمين . تكبرين و لا تذبل روحك ، تزدادين امتلاء بالحياة و تبقين ضيفًا راقصًا فيها و تزهر ضحكتِك دائمًا . يداكِ الخفيفتان تجعلان الأشياء خفيفة .
كل لحظة و أنتِ حاضرة أيتها الأميرة ، و لست _ أنا _ فخورًا بشيء كفخري بتسميتِك ليّ صديقًا، تظلين مُبهرة و تلمعين أمامي دائمًا كما تلمع الحكاية أمام الطفل .

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة العشرون لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 كان " ماريو فارغاس يوسا " روائي الأحلام و الأوهام ، يُعرّف خسارته بالذل الكبير . الواحد يحس بالذل الكبير لو أدرك _ ولو مرة _ أنه خسر عمره ، حين يري حياته غير مضيئة . "كل ما لدي هو مني ، وكل ما لم أحصل عليه كان بمقدوري امتلاكه لولا انحرافي وعدم معرفتي لنفسي . عراقيل الحياة منعتني من الوصول لكنني أريد أن أبدأ .. "كما تقول فروغ فرخ زاد .
أحب " صمويل بيكيت " . أحب " بيكيت" و أخافه . أخاف : مأساته ، ملهاته ، ألمه و أمله . " هذا أحد الأسباب التي تجعلني اتجنب الكلام قدر الإمكان ...و هذا شيء بشع بالنسبة لشخص لديه ولع بالحقيقة مثلي . " هذا ما يقوله " بيكيت " ، يضيف :" و لكنني لا أعمل من أجل المال ، من أجل ماذا إذن ؟ لا أعرف الحقيقة أنني لا أعرف العديد من الأشياء. "
لا أعرف العديد من الأشياء . لا أعتبر شيء يقينًا أو حقيقة ، لكن الأمور معكِ مختلفة تمامًا بالنسبة ليّ ، بالنسبة لواحد لم يتملك حقيقة في عمره . معكِ كل شيء يبدو حقيقًا و تجعليني أنا نفسي شخصًا حقيقًا .
إن كنت أنا بحر ، فأنت البر ، و البر هو من يحدد البحر و يعرّفه . أنتِ تعرفيني . من لا بر له لا بحر له . و أنتِ بحر أمامي و فيّ ، أزداد تورطًا فيكِ و أحب التورط فيكِ .
في بداية كل شيء تكونين أنتِ هناك . في نهاية كل شيء تكونين أنتِ هناك . حب غير مشروط ، يعبر عن الأشياء كلها .
أتكئ علي حبك .
لا أحس أني غريب أو وحيد بوجودك . كل شيء امتداد لظلك . أنتِ أفضل ما لدي و ملجأي الوحيد . أعرف أني استطيع أن أثق بكِ . أعرف أني استطيع أن أمضي كل شيء إلي جوارك ، و كل شيء في مرته الأولي . حين يضيق بيّ كل شيء ، أجيء إليكِ ، أعرف أنه لن يكون في عينيكِ أي تأنيب ليّ ، و أنتِ الوحيدة التي تكسر السكون في قلبي ، و ترغبين فيه حين يكون مثل خبز يابس لا يرغب فيه أحد .
دونك لا شيء يبدو ضروريًا . أحبك . أحب حبك . أحب كل شيء في حبك .
أنتِ تُضئنني .
ما أريده هو أن تُزهر ضحكتك _ ضحكة السيدة _ لا أكثر و لا أقل . أريد أن أشد علي ساعدك . لا . أريد أن أكون ساعدك . أريد أن افتح لكِ في كل جدار نافذة و أمام كل نافذة وردة ، و علي كل وردة فراشة تضع القبلات فوق جبينك .
و ابقِ وردة علي صدري .

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة التاسعة عشر لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 في مسرحية " أيام هانئة " لـ " صمويل بيكيت " واحد من أصعب الأدوار النسائية في تاريخ المسرح ، رغم ذلك تسابقت نجمات المسرح لأدائه :" روث وايت، بريندا بروس، ماري كين، مادلين رينو، إيفا كاتارينا شولتز " . في الفصل الأول " ويني " مدفونة حتي ثدييها في الرمل و حتي عنقها في الفصل الثاني و الأخير . الضوء مُسلط علي فمها تحديدًا حتي إنزال الستارة . .
الرمل يعلو ويعلو حتى يغرق الفرد كليًّا . قدرتنا على رعاية أوهام غير قابلة للزعزعة في فراغ الأمل ، لن تستطيع كلّ فظائع التجربة أن تفقدنا إياه . لا يمكن الشفاء من الأمل .
تقول "ويني " : " لا ألم ... إنه لشيء عظيم ليس كمثله شيء . "
" الكل غريب هنا " ؟
كي يكون الواحد دائمًا هو ، يتغير عما كانه .
لا مضيف إلا " الأنا " . الواحد لا يستطيع قول الحيقية إلا لنفسه . كل شيء محله القلب .
الأشياء تبقي ميتة إن لم نحييها ؟ ما علق بسبب خوف . كل ما لم نستدر نحوه خوفًا من الغلبة . ما غادرناه كبقعة ماء في وجعه الشمس .
ما مشيناه و تفرق أمامنا . ظل وحيد في حفرة تضيق بنا .
أكون مسرورًا حين تأتين . أكون أكثر سرورًا حين تأتين أنتِ مسرورة . أنت " ال " الأمور . كل الأمور تبدو معكِ أكثر إن رغبتِ في ألا تتكلمي سأجاوركِ الصمت . إن رغبتِ في الكلام سأجاوركِ منصتًا . إن رغبتِ في السير سأجاوركِ الطريق . ما يضيرني أن تظني الوحدة رفيقتك أبدًا ، و أن تحسين أنك تحاولين بوابة منيعة وحدك تمامًا . أحب ضحكتك الجميلة كياسمينة حين تعلو وجهك الجميل كوردة بندي الخامسة فجرًا .
حين أذكرك ، أينما كُنتُ ، أينما كُنتِ ، "آخذ شهيقًا بعمق ربما تكون الريح حملت " نسمة من زفيرك ، أو تخبرني مثلًا : أن الماء خدر علي يديك . الصحون تضحك حين تلمسينها ، القمر الشاخص في العراء يرافقك و الشوارع في اتجاهك . الأغاني تحاول جاهدة أن تكون لائقةً بكِ . و ضحكتك تصل بين الملائكة و روحك .
ستكبرين ،و لا تُنكّس ضحكتك أبدًا . لا تضلي الطريق إلي بر نفسك . لا تكتبين الغياب و أنتِ دالية و نافذة و ظل . لا يذوب سكرك . لا يبهت الأزرق في قلبك .لا تبذل ورودك و لا تنقض الفراشات من حولك .

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة الثامنة عشر لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
كان " فالك ريتشر " يقول : " البشر لا يلتقون ، بل يفترقوا من قبل أن يلتقوا أصلًا . حياتهم تقول لهم خمسين ألف حكاية مختلفة ، لا يفهمون منها أي شيء ، و لا يستفيدون منها شيء . "
النحات " بيجماليون " كان حين يمر علي التمثال الجميل ، يخيل إليه أنه محبوبته ، و ما أن يقترب ، يراه مجرد تمثال . لم يصدق عينيه ، لقد قسّمه الحب نصفين : نصف يري ما يري و نصف لا يري ما يري . كان كل أمله أن يصدق نصفه الثاني ما يعرفه نصفه الأول .
ظل " بجماليون " يطلب من الآلهة ، أن تبث الحياة في تمثال محبوبته الجميل ، و تنتهي مفارقته الداخلية إلي ما يرغبه و يحبه ، ما قام بنحته من عواطفه و روحه .
استجابت الآلهة لطلبه ، ليجد نحته ، الذي سهر عليه ، أمامه ، تجسيدًا مشخصًا لحبه ، المطلق .
“أن تتأمل نفسك يعني أن تفهم ما كنت تعرفه دائماً من غير أن تفهمه”
هذا ما يقوله " حسين البرغوثي " في ضوئه الأزرق . حسين البرغوثي الجمال الذي خانه الموت لكنه _هو_ ما يهم _ لم يخن نفسه . عاش بين اللوز . حافظ علي الطفل في قلبه ، ضمن هامشًا له .
ما الذي نبكيه ؟
" الذي لم نتعلم التعبير عنه " ؟
الورقة الخضراء التي تسقط فوق الأرض السوداء ؟
الغصن الوحيد الذي غادره العصفور ؟
هشة ؟ أنتِ خفيفة . تظنين أنك لستِ إلا جسد مُعرض للعطب ؟ أي جمال يراه أحد فيكِ ، ليس إلا وهم ؟ تخافين أن يُفتضح سوئك الذي تتوهمينه أنتِ ؟
أنتِ جميلة . تفهمين ؟
هناك مشهد يتمثّل أمامي دائمًا : مكان ممتلئ بالكراسي ، امرأة تشعر بالخوف ، تتعثر في كل شيء ، و رجل يبعد الكراسي عن طريقها ، يحاول دائمًا أن يسبقها ، يخلي لها الطريق ، لتجده خاليًا ، دون أن تلحظ أو تتعثر في شيء ، و لا حتي هو . الطريق لأجلك و معك ، معك و لأجلك . حين أكون راغبًا فيكِ ، أرغب / أقبل حالك أيًا ما كان : خوفك قبل شجاعتك ، تعقيداتك قبل كل سهولة ، و طريقك أيًا ما كان .
ما آمل فيه أن أعهد لكِ بالكثير من الأشياء كما لم أستطع أن أفعل مع أيًا كان . أتمني أن أكون عونًا لكِ .
أنتِ أنتِ و لا شيء آخر : جميلة كالبداية . تذهبين إلي حيث ، تحبين ، فقط . تخلصين لذاتك ، لا ، أن تدهشي الآخرين . تؤدين أمورك برغبة حقيقة ، لا رغبة عن هزيمة ، لا رغبة في انتصار.
الملائكة تنام فوق طرف ثوبك ، تضحكين ، كغيمة من براءة ، تغنين ، لروحك ، لأجنحتك و أحلامك .
لا تُضيّعين أيا مما في قلبك ، و لن تكوني أبدًا فراشة فضت الريح جناحيها .

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة السابعة عشر لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 أحب شاعر يوناني اسمه " يانيس ريتسوس " كان يقول : " لقد خرجت من أحلك الظلمات ، خرجت من الأمراض و من جلسات التعذيب . يمكنني القول إنني خرجت من الموت . " . أُصيب " ريتسوس " بالسل ليخوض رحلة مريرة بين المصحات . عاش طول عمره مُطاردًا بالموت الذي اختطف من قبل أمه و أخوه . أحب " ريتسوس " . أحب ضعفه ، عاديته ، احباطاته الأليمة ، بحثه عن الدفء المفقود و كل الأبديات التي حملها في جسده و روحه .
في واحد من قصائده يقول : " أتخفي وراء الأشياء البسيطة / كي تعثروا عليّ / فإن لم تعثروا علي ّ،فستعثرون علي الأشياء / و تلمسون ما لمسته بيدي " .
نحن جميعًا _ كما يقول سوفوكل _ الذين يعيشون هنا ، لسنا إلا مجرد أطياف أو ظلال خفيفة ؟ حجارة _ كما يقول جابيس _ أقل الأشكال فصاحة و أكثرها قابلية للتعيين ؟ أم اننا نحسد الحجارة علي دوامها و صلابتها و عنادها ؟
هل هناك حجر غير قابل للترميم ؟ هل هناك من عطب _ فينا _ غير قابل للترميم ؟
هل الواحد "يتواطأ لتضليل ذاته" ؟
الواحد يكون أكثر وعيا بالألم . الألم دومًا واضحًا و حادًا . نبحث عن ذاتنا أم نريد " افشاء و كشف لمفهوم " الآخر الحي " ؟ “يبقى غريباً ذلك الذي يعرف غريباً” و لا يكون الواحد جدارًا و لا ظلًا و لا وردة . غريب يمر بغريب و لا يترك حصاة و لا علامة و لا أثرًا .
كالسمك ، نتلَوَّى لنندفع للأمام . الواحد يريد أن يكون كالبحر في مده و جزره استقباله للحياة يتراجع أحيانا و يتدافع أحيانً أخري . الواحد يريد أن يكون أيا ما يحدث .. لم يكُ شيئًا يُذكر ، و أن يكون النهار مترفقًا في كنس أحلام الليل و أن يُخفي الليل ما كان شقيًا في النهار .
ما يُضيرني ، أنكِ تقولين _ جريحًا صوتك _ منذ أن كبرت أصحبت أخاف كل شيء .يُرعبك ما تريه و تسكتي عنه . يأتيكِ الليل بعزلة آهلة للأشباح و صورة لا أحد ، و أنكِ تطرقين كل الأبواب ، الباب الوحيدة القاسية هي التي تنفتح . وأن السير أصبح صعبًا ، لا قدم للمسير و لا طريق و أنكِ لستِ جيدة بما يكفي .
ستمضي أيام و تكونين أنتِ ، ملء ذاتك كلها . لا عتمة تبدد نورك يا ربة الفراشات ، يا عروسة القمر . تحبين ببساطة ، لا تنقصك العبارة و لا تبحثين عن صياغات و لا حاجة لكِ بحساب الخذلان لمن رؤيتهم هي الظلمة الوحيدة . لا حاجة بكِ لترميم ماضٍ أو اختيار مقعدًا منزويًا . لا دوائر من الحزن تحوطك ، لا تجاعيد تباغتك في المرآة . الثنية في جانب فمك تبقي محاطة ببشاشة لا تصدأ .ترقصين و تشاركين في نبض الكون . لكِ ظل _ لا قناع _ يبقي شاخصًا . يداكِ صبوحتان ، و فستانك أزرق . زرقاء دهشتك ، أصدقائك و الملائكة الصغار . أزرق . كل شيء أزرق .

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة السادسة عشر لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 عاش " ألبير قصيري " حياته عاشقًا للكسل ، عاشق للتبطّل كقس نذر حياته للكسل . يسخر من الحياة بالروتين ، حافظ علي ما يفعله كل يوم لا تغيير . كان حين يُسأل عما يرتجيه من قارئ روايته ، يجيب : " ألا يذهب للعمل " . حياته تتمحور حول امحاء ذاته و احاطة نفسه بأسرار بقي معظمها عصي علي التبسيط حتي الآن .
قبل سنوات من وفاته سأله صحفي : كيف تريد أن تموت ؟ قال : على فراشي في غرفة الفندق، وقد تحقق له ما أراد . كانت الحركة الأخيرة في حياته، بعد سقوطه عاريًا وسط غرفته، أنْ سحب ملاءة الفراش لكي يستر عري جسده الذي عمّر لأكثر من تسعين عامًا. لأنه ببساطة أقام ومات في فندق، وموتى الفنادق والنزل يعدّون غرباء بحسب القانون الفرنسي . علّق مدير الفندق وهو يتابع السفر الأخير لزبونه الشهير قائلا: "ربما قد يروق هذا الخروج له "
في احدي روايته يقول : " “أما بالنسبة لي ، فطيران طائرة ورقية يكفي لجعلي سعيداً، حكومتك لا تهمني إلا بقدر ما تسليني، ولا يهمني موتها، فأنا مرعوب من البكاء”
السخرية أعظم ما يمتلكه الواحد بعد الحب . يسخر الواحد من كل ألم ، من كل أذي مر به ، و لا يشعر بالشفقة أبدًا . و الحياة أحيانا كلعبة قاسية ، لا تكون ممكنة إلا بالسخرية ، التي تجعل الواحد ينظر بعين الانتصار لكل ما يضايقه و تعلم الواحد التمهل و التواضع لتجاوز و انتظار الأمور . يقول " ريجيس دوبريه " : " فقد أصبحت أكثر تواضعًا بما فيه الكفاية لتنتظر بهدوء، وبغير استفزاز، دورك يوم يحدث لك ذلك ...، فلا تستعجلْ، إن لديك مُتّسعًا من الوقت "
الواحد لا يدينه أبدًا ، أن أراد حنانًا من أحد . و ليس دليل سوء أن ينتظر كل شيء و لا ينال شيء . ما يبقي للواحد من خذلان ممن مروا ، لا شيء ، إلا أن يكون سببًا لنسي كنتيهم عاريًا منهم . و تصير " الذكريات مجرد عصافير علي الكتفين " ما ان نكمل طريقنا يهبوا عن الكتفين و لا نسمع وقعهم مرة أخري" .
أحيانًا ، ما يتركه المارة قش أسود . كل نطفة يمكن أن تكون نجمة .كل عتمة تغري بقمر . ما يسقط يمكن أن نصعد فوقه نافذة لرؤية نافذة للإصغاء و ها هي حصتك ينبت الورد في يدك
ما فات قد فات . أنتِ الآن حرة و حرة . تكونين أنتِ . لا تخطئين لفظ اسمك تملئين فراغك دونهم . تغادرين الظلال الباردة و لا حاجة لكِ بها ، الملائكة تُضاف إلي أحلامك و لا تنشغلين بتخليد مومياوات غير صالحة و أنتِ جميلة كوردة ، زاهية كنرجسة . تجمعين أحلامًا و ترسمين ما يكفي لخلق ما تتمنين . لم تكوني بطيئة في السير و لا معطوبة بالضرورة . لا تنسي جمال عيونك . تملكين عينين جميلتين ، بلون القهوة لكنها تسكر . و لستِ أنتِ وحيدة كدمعة أبدًا .
تفتشين عن حقائبك الملونة و طلاء أظافرك ، تستعدين الفرح الذي اختبأ في رعشة مرآة خوفك . تكونين أحلي حين تضحكين . ترقصين ، تصبحي أجمل . تصيرين أكثر سكينة ، لا حائط ساقط و لا زهرة يابسة .
و أنتِ أولي بالحكاية .

أُذكركِ أنكِ حلوة

الرسالة الخامسة عشر لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 في قصة " العرق " يحكي " فريد أوركوهارت " عن " جيني " الفتاة التي كانت ترتعب من فكرة أن يلاحظ الناس رائحة عرقها . رغم أنه لم يكن لذلك أي أهمية في المكان الذي تعيش و تعمل فيه .
لم يكن لها رائحة عرق ، إلا أن خوفها من أن يشتم أحد رائحة عرق لها ، جعلها تشتم رائحة عرق لنفسها غير موجودة أصلًا ، فباتت تخشي أن ينتبه أحد لها ، إذا لاحظت شخصًا يشهق أو يزفر بطريقة ملحوظة غمرها شعور بالخزي و الحرج .
الخوف بقي عالقًا معها و كذلك الرائحة الوهمية ، حتي يوم ، بعد ساعة عمل إضافي و مال أكثر ، ذهبت لتشتري عطر لنفسها ، قبل أن تضعه ، خافت ألا يُضيّع رائحة العرق . و ما أن وضعته حتي اشتمت رائحة أكثر سوءًا .
يروي " هوميروس " : أن " أوديسيوس " بقي وحيدًا ليس بجانبه أحد ، إذ اشتد الخوف بجميع من حوله . "
الخوف متربص دائمًا ، حتي الاتزان الذي قد يفخر الواحد به ، أحيانًا يجعله الخوف من فقده ، " ليس إلا قناعًا معرضا لخطر أن يُنتزع ."
الواحد إن استبد به الخوف ، يري كل شيء حوله مهتزًا ، وحتي إن كان الواحد متزنًا ، بمجرد الخوف ، أي شيء يكون قادر علي هزه .
نعيش وحيدين ، معًا .التعارض ، بين السكون و الحركة ، بين الزمن و الأبدية .لا نعرف شيئًا ، في وجودنا كله ، نسعي إلي الفرار من هذه المتناقضات التي تمزقنا ، ما دام كل شيء ( الوعي بالذات ، الزمن ، العقل و العادات ) ، يطردنا من الحياة ، فإن كل شيء يدفعنا كذلك إلي العودة .
المفروض أن يضمن لنا الموت الحرية . الحرية من التملك و الخضوع . لكن العكس تمامًا ما يحدث ، يصبح الواحد _ في صراعه مع العدم _ أكثر رغبة في التملك و أكثر خضوعًا للمكسب و الخسارة و لا أحد يقدم ما ينتظره من الآخر .
الواحد حين تسوء الأمور من حوله ، أحيانًا يتهوس بنفسه و يري كل شيء حوله كمصيدة ، كل شيء يتربص به ، أو ، يأخذ رد فعل تجاه نفسه ، أنه هو السيء و لا يستحق غير ما يحدث له ، يختار التيه ليكون فيه ، ليبرر تيه الأشياء من حوله .
ليس عليكِ أن تعاقبي نفسك ، أو تظني حياتك تتفرغ أمامك . ليس عليكِ أن تتخبطي بين اختيار عزلتك و بين الخروج إلي الحيا ة. لا تخافي ، أن تكون عزلتكِ قهر لكِ أو ان تقابلي _ حين مغادرتها _ أشياء تترك شظايا و ندوب في روحك .
لستِ مهزومة ، " رأسكِ ليست منخفضة كما يخيل لكِ " ، قلبك ليس خرابًا أبدًا أو محاطًا ببقايا تهدم .
كل هذا السوء من حولكِ لا يعني شيئًا . ما زلتِ تلك الطفلة الذي اعتاد جدها تقبيلها ، تحسين بتلك القبلات و بخدر أصابعه في شعرك . ما زلتِ غير قادرة إلا علي التوق للبراءة .و لستِ وحيدة أبدًا بكل هذه البراءة الحاضرة فيكِ .
أنتِ واحدة و أنتِ كل شيء . تحت ظل اسمك و نطقه المتناغم . لا تخلسين النظر للحيا ة و لا " يخلو مربعك من مفاتن " . تعبرين من ضفة لأخري ، و شعرك متألق بتأنٍ ، تسيرين و لا تتعثرين ، و إن سقطتي تنهضين . لديكِ وجه ، تمتلكين قلبًا مثل " فاكهة طازجة معلقة علي الأغصان " لا ليالي صامتة لا لغط لا اضطراب لا جدران عازلة .
لا تعجزين عن النوم ، " بين ما ترين و بين ما تقولين ، بين ما تقولين و بين ما تبقينه صامتًا ، بين ما تبقينه صامتًا و بين ما تحلمين به ، بين و ما تحلمين به و بين ما تنسينه " .
تحبين نفسك الحب الصحيح ، تؤمنين بها ، تعودين لقبلك تتعرفين عليه . لا حاجة بكِ لغرفة تنزوي بها ، لا غرف خلفية للماضي ، أو ( بدروم ) لأشياء في المستقبل . تنسجين حلمًا و رؤيا ، ترسمين جزيرة و عالمًا يحوطه شباك أزرق ، و لا يحوطك أنتِ شيء إلا الحنان .
ضحكتكِ خير للعالم ، تغنين ، نكاية في الفراغ الذي تركه من مروا ، فيكون براح ، ترقصين ، تنفضين أوجاعك ، و الريح تمر كما تمر بين أزهار البنفسج . في موضع كل ندبة تنبت وردة .
لكِ كل شيء
كل شيء يليق بكحل عيونك .

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة الرابعة عشر لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 في يوم رأيت غراب يصارع غراب ، سقط أحدهم بأرضنا ، لم يكن الآخر ليهبط فوقه إلا و جاءت غربان أخري أبعدته و طار غراب آخر و أحضر شيئًا ما في فمه و أطعمه للغراب الذي سقط و بقوا حوله حتي طار _ بضعف _ مرة أخري .
بومها قرأت أن " مالارمي " تهّوس بجملة عبثية : " ما قبل الأخير قد مات " .
في اليوم التالي وجدت الغراب ميتًا بأرض جارنا ، فوق فزاعة الطيور _ التي تشبه صليب اللورين _ كان مصلوبًا عليها بطريقة عكسية ، برأسه مدلاة لأسفل .
تهوست وقتها بما تهوس به " مالارمي " و أن الغراب حين سقط بالأمس ، سقط بالقرب من نهايته .
" ما قبل الأخير قد مات. أليست الأشياء حين تموت تكون النهاية حتي لو كان ما قبل الأخير أو كان الأول ؟
“لا يوجد شىء يمكن التعبير عنه، لا شىء بواسطته يمكن التعبير، لا شىء من خلاله يمكن التعبير، لا توجد قدرة على التعبير، ولا رغبة فى التعبير، كل هذا مع حتمية التعبير”.
في آخر سطر كتبه بورخيس في حياته يقول " " حين اكتشفت شيئًا عن العلاقات السرية بين الرؤيا و الرؤية انشغلت بالأولي و تركت الثانية .
الحلم تجربة حادة . الأحلام لا تروي انما تُعاش واقعا ، لكنها ككل شيء يندفع و يعود مرة أخري .
" ما قبل الأخير المستعصي علي التفسير
الواحد ، يحاول أن يحتفظ بنفسه سليمًا .. لنفسه . يحاول ألا ينسي نفسه ، يحاول ألا يستسلم لكل عبث أو لأي دور اُخترع له ، قدرية الدم ، قدرية المكان ، قدرية العجز و التفسخ و .. الحاجة .
الواحد حين يظن نفسه ملعونًا و لا يستطيع الانتصار علي تلك اللعنة ، حتي الذين يُفتنون بوجوده ، يصيرون دبابيس مغروسة في القلب .
أعرف أنه كلما جاءك زائر يجد أن كل شيء باهر والسعادة معلقة في كل الأركان . لكن لا أحد يدرك حزنك . كل عش تبنينه يسقط . كل زهر ينبت ، يذبل .
لستِ سيئة ، لستِ ملعونة . لستِ ضعيفة . تتركين كل هذا الذي حولك و تلومين نفسك ؟ أنتِ مثل زهرة نبتت بين صخرتين في مكان قاسٍ كالصمت .
أنتِ جميلة .
يُضيرني أنكِ تخجلين من أن تحكي شيء و أنكِ أحيانًا تعزلين نفسك لا تريدين التعرف إلي أحد أو إلي شيء .
لديك رغبة في الذهاب لأماكن كثيرة لكنكِ تخشين أن يحل الظلام و تضلي طريق العودة .
أحب ، أن اسمعك تضحكين . اسمعكِ حين تحتاجين للكلام و أن تحكي كيف كان يومك ، نتكلم معًا حين شعور عدم القدرة على التصرف وعدم القدرة على الكلام، وعدم القدرة على الاستقرار. . أنا صندوق حكايات لكِ تفرغين نفسك ، حكاياتك و خوفك ، فيه و كأنكِ لم تقولي شيئًا .
ستمضي أعوام ، تكبر فيكِ الحياة و لا تكبرين . كل قسوة لقيتها تحك أي خشونة في قلبك .الذي تخافين منه خلفك . كل يوم تصبحين لتثمني البهجة علي جسدك ، لا لتضمدي أي جرح . لا انحناءة قليلة في الظهر، مضاءة الثنية في جانب فمك ، عيناكِ ممتلئة بالنور و لا تري مع الشمس مبررات أخري . تدللين نفسك و يزيد حنانك نحوها نموًا و لا اختباء ما بين الصورة والنوم .

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة الثالثة عشر لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
في قصة " الذاكرة " يحكي " بورخيس " عن " فونيس " الذي تعرض لحادثة فأصبحت لديه ذاكرة لا تنسي شيئًا . لكنها باتت _ كما يصفها _ أشبه بنفايات مكدسة . الذاكرة التي سيموت تحت ثقل ماضيها ، لم يستطع تحمل تفاصيله .
الذاكرة اللعنة المشتهاة التي تتمثل دائمًا أما الواحد ، مُرسخةً الإحساس بالخطيئة و لا يفارقه . أقسي كلمة في عالمنا هي " الخطيئة " قد يرتكب الواحد بعض الأخطاء لكنها لا تكون خطيئة أبدًا .
يروي " بريمو ليفي " أنه دخل معسكر الاعتقال و غادره غير مؤمن . كان ينتظر أما اللجنة التي ستقرر ما إن كان سيذهب لغرفة الغاز أم أنه بصحة جيدة تسمح له بالاستمرار في العمل . أحس برغبة في الصلاة لكن لم يدم هذا الاحساس إلا ثانية، تراجع و قال لنفسه في قسوة :" لا شيء يتبدل في نهاية الشوط " و يضيف أن الصلاة في تلك اللحظة أكبر كفر يمكن أن يقدم عليه شخص مؤمن .
تعرفين : " الكفر الأكبر هو ألا يشعر الواحد بالرأفة تجاه نفسه " .
كثيرًا ما أريد أن أقول لكِ :" أنا أفهمكِ " . لكني اتراجع ، أخاف يومًا لا أفهمكِ فيه و لا أري روحك شفافة . أريد أن أقول أفهمكِ لأخبركِ أنكِ لستِ سيئة أبدًا ، أنكِ جميلة ، و أن عليكِ ألا تسمعي لأحد يقول :" لو كنت مكانك " لأنه لو أحد مكانك ، خوفك و ألمك ، لفعل نصًا كل ما فعلتيه .
أنتِ جميلة .
من الصعب أن يبتكر الواحد صديقًا. أريد أن أكون " صديقك الذي عندما تذهبين إلي كل أصدقاءك و لا تجدين أحدًا ، أكون أنا في طريقي إليكِ أو في انتظارك أمام البيت . صديقك ، الذي تجدين معه براءتك حين تخطئين ، الذي يسمعك حين تتكلمين و يصدقك حين لا يؤمن بكِ أحدًا "
لا .
لا أريد أن أكون صديقك . و لا أريد أن أكون أي " توصيف " . أريد فقط أن تكوني " أنتِ " حرة ، حرة من كل شيء و أي شيء . ألا تكوني غارقةً في نفسك ، خفيفة ، تغنين و تبتسمين . أحب شاعر يوناني اسمه " كوستيس موسكوف " كان يقول :" الحب ليس مصادرة للحبيب ... كيف يمكن أن تكون مساحة حريته لا سجنه ، تلك هي المسألة "
لم يكن بودي أن أحادثك بالأمس و لا تجدين راحتك . كنت أريد أن أكون لكِ كتفًا ،استعير شفاة تقول لكِ " أنكِ حلوة " بما يليف بكِ . وأنه كان خطأ حين كنت جوارك و لم أربت _ علي الأقل _ فوق كتفك . و اعتذر أني لست عونًا لكِ بما يكفي .
كيف ليّ أن اسميكِ . الملائكة تجيئك كل ليلة تسألك عن حكاية لكنكِ تقولين : " سأحكي لكم حلمًا " . أسميكِ وردة ؟ لكنكِ لا تذبلين .
ضعيفة أنتِ ؟ لا . أنتِ حقيقة . خائفة ؟ لا ؟ هذا انتظار قديم . يقول " موسكوف " في واحدة من أقرب قصائده لقلبي :" تُري هل ستنبتين مرة أخري ؟ هل ستزهرين هذا الربيع ، من جديد ؟ "

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة الثانية عشر لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 لما كلّم الرب النبي موسي _ كما ورد بسفر الخروج _ قال موسي للرب : " اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ»
في محاولتنا للتكيف مع ما يقابلنا من مواقف نختار بإرادتنا أو رغمًا عنا التنصل من قدرتنا على الاستجابة متظاهرين بأن الأمور تحدث رغمًا عنا، أو لم يكن لنا يد فيها وغُلبنا على أمرنا. نقمع أنفسنا ، نتعود على الحالة التعذيبية للنفس، الضعف و التردد . نختار أن ننسى من نحن . حين ذلك ، يكون شهيًا خسارة كل شيء .
لا شيء أفدح من الخسارة و غياب المعني . الواحد ، يخاف الخسارة المجردة ؛ خسارة أشياء لا رغبة له بها .
نخاف الخسارة ، كون الأشياء التي نخسرها مرت بنا بصورة ما ، و نحزن لأنفسنا و منها كوننا اختارناها .
“الوقتُ مهينٌ، عادة، والالتفاف عليه، اختزالاً، يُهينه، تماما كما يهينُ المنتحرُ الموتَ ” علي الواحد ألا يقلق من الخسارة
إن كانت مقدرة ستحدث . الشيء الجيد لا يُفقد .
الواحد يتمني أحيانًا ، لو أنه فقط وُلد بحكمة الشيوخ ، ولا يحتاج للمرور بالتجربة . لكن حكمة الشيوخ تجعلنا ننظر للأمور بعين ثابتة ، كأنها لا تخصنا . الحياة ارتجال بالكامل و لابد من التجربة و من الطريق .
ليس عليكِ القلق من أي خسارة . ما يغادر لم يكن منا ، لو كان منا لبقي معنا . ما يهم هو ما يبقي ، ما يبقي هو ما يهم . أنتِ ما يهم .
أعرف ، أنكِ لم تعتادي أن يفهمكِ أحد . عيناكِ شاردتين ، منشغلتين بالخوف . تخافين الموت ، صغيرة ، وحدك . تتمنين ، أن تنفضي كل ما يثقلك ، لو أنكِ تستطيعين قول كل الأشياء التي تريدينها بصوت عالِ و وضوح ، و تزيلين كل الشكوك التي تنتابك و تمنعك من إحساس أن تكوني أنتِ . تتمنين أن تكوني طائر ، يعيش كل ما يريد عيشه و يقوم بكل الأشياء التي يقدر عليها . تتمنين من تحبينه لا يخدش ، حتي الهواء .
هناك ، في عليائك ، لا تهتمي لما مضي فهو انتهي ، لا تهتمي لما هو بعيد . لا تتبعين مسارًا و لا تحتاجين لصياغات . تواصلين السير ، لا أبواب تعترض طريقك ، و لا عفونة تطل عليكِ من الجدران . لا تشعرين أن الأشياء تختلط عليكِ أو أن ليس لديكِ قدرة علي تحمل بعض النهارات . تمتلكين المرونة لتجاوز أمورك و لا شيء يترك ندوبًا علي روحك .
تمتلكين ضحكة واسعة ، تثمنين البهجة علي جسدك . يدكِ ليست قصيرة و لا مغلولة ، تمسكين الأشياء دون خوف و لا تلقين بالًا للسحب المرتعشة .
لا أقول أنكِ جميلة كالثلج كما قال " رامبو " في أوفيليا بل أقول أنكِ دافئة كالنهار. و حلوة كزرقة العين .
أنتِ زاهية كزهر برتقال
وردة تكبر في اتجاه البحر .

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة الحادية عشر لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 ينقل "بورخيس" عن القس "بيركلي " قوله : " إن طعم التفاحة ليس في التفاحة نفسها _فالتفاحة بذاتها لا طعم لها_ و ليس في فم من يأكلها و إنما هو في التواصل بين الاثنين ".
و هو ما استعيره هنا .
أسوأ اللحظات ، تلك التي يدرك فيها الواحد مدي هشاشته ، كم الحياة مائلة به ، و مائلة عليه ، حد أن تنهار فوقه بكل ثقلها ، لا أحد ينتبه لذلك ، العالم سيتواطئ مع حزنك و لن يفعل شيء لأجلك.
تقف أمام المرآة ، فتري بداخلك بقعة فقيرة ينقصها الكثير و الكثير ، و أنها بحاجة إلي أن تُملأ بشيء .
كيف ينجو الغارق في نفسه ؟
الواحد يحاول دائمًا أن يحافظ علي طعم الثمرة المحرمة في فمه ، و ألا يفقد الصلة بالأشياء من حوله ، الأشياء دوننا _ دون رغبة منا فيها _ لا قيمة لها ، و أن يكون " النقصان و الخوف من النفاذ هما أصل كل شبق " يملأه بغواية الحياة ؛ أن يكمل الشوط حتي آخره .
الواحد يرجو شيئًا حقيقًا يسير معه لنهاية الشوط ، و أقصد بالشيء الحقيقي ، الشيء الذي يكون الواحد حرًا معه و منه ، لا يستنزفه أو يكون السير و الاستمرار معه مشروطًا . و حين لا يجد الواحد شيئًا حقيقًا ، يبدأ في بناء الحواجز ، علي ارتفاع و قوة بحيث يصبح الواحد نفسه ملاذ حقيقي من الاضطراب و الألم الذي قد يشلانه .
ما بيني و بينك عصيٌ علي التصنيف ، كل صمت بيننا ورد ، كل كلمة ورد أكثر . أحب حبك للأشياء ، أحب أنك تخبريني بأمور تظنيها تافهة كأنك اشتريتِ دفتر تلوين ، رسمت وردة بطلاء أظافرك و فيلم " Despicable Me" يجعلكِ تضحكين . قد نتمشي سويًا و نستمع لموسيقي تشايكوفسكي و نفتش ، عن انتصار المغلوبين في موسيقي " ماهلر" أو المواساة في موسيقي " موزارت" الذي كان مثلك ليس من هذا العالم .
تعرفين : كل شيء مبرر في هذا العالم غير المبرر .
يُضيرني ، أنك لا تعرفين أن خوفك مبرر، أنك لا تحبين نفسك ، تظني نفسك سيئة و لا تدللينها . يُضيرني أنكِ لا تقوي علي البقاء في الليل وحدك ، تريدين قول : " هل يمكن أن تبقي قليلًا ؟ " لكنكِ تتردين . حاجتك الماسة للبوح تقابلينها بأقصى درجات الصمت . ترغمين نفسك أن تكوني قوية في الوقت الذي تودين فيه أن تكوني ضعيفة ، و تندهشين للذي في يدك و لم يسقط و أنكِ لم تقابلي شيء يجعلك ترغبين في البقاء .
يُضيرني أن الأشياء من حولك تصيب أزهار جسمك ، أنكِ حين تبكين ، لا تنبت وردة علي صدرك ، و حين تضحكين لا تخرج العصافير من رأسك .
في الوقت الذي تحسين فيه بجسدك ينفصل عنكِ ، تنفجرين بالضحك ، تقهرين أي خوف أو يأس . أمورك أبسط من وردة ، تحبين نفسك ، و تقومي بأمورك بحب . لديكِ صوت ، و قلب للطريق و لا تخافين خسارة شيء .
كل نور يليق بكحل عيونك .
الفراشات ،
تحلم أن تطير دون توقف
حتي تقبّل القمر
وحدك ،
كانت الفراشات
تنتقل من وردة لوردة
لتضع القبلات علي جبينك .

أُذكركِ أنكِ حلوة .

الرسالة العاشرة لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
الواحد حين يشعر أنه مُهمَل ، يحاول أن يستدل علي نفسه بظل ، أو يصرخ ليقول لديّ صوت . هناك حكاية عن جنيّ اسمه " أصمودي " _ كما في الأساطير _ما يميزه نقله و فضوله للمعرفة . كان راضيًا يشعر بسعادة مراقبة الناس مع اختفائه هو عن الأنظار . حتي أحس أنه عرضة للامبالاة ، لا أحد يعلم بوجوده ، لا أحد يلتفت له أو يهتم به . باغته يأس جارف في يوم ، مع أنه يقينه بأن أحدًا لن يصغي إليه ، صرخ بأعلي صوته : " أعينوني إني بحاجة إليكم و أنتم بحاجة إليّ " .
أزمة هذا العالم ، أن الخوف هو الذي يحكم الأمور ، لا يعطي الكثير من الفرص ، و إن أعطي يعطي فرص مشروطة دون خيارات .
أكره البيوت و أحب الشوارع و المقاهي . الشوارع أكثر حرية ، حرية من التملك . ألسنا جميعًا نريد أن نمتلك أشياء تبقي بانتظارنا حتي نعود إليها ؟ أليس كل واحد يحب أن يصحو في سريره هو ؟ أحاول دائمًا أن أتخلي عن فكرة البيوت . الواحد حرٌ بمقدار ما يظن _ دون هوس _ أنه حر. الذي ليس قادر علي السير وحده ليس حرًا . الطائر الذي ليس قادرًا علي الغناء و الطير وحده ليس حرًا يستحق قفصًا لا أجنحةً . هل علي الفراشة انتظار أن يُوضع السياج كي تطير ؟
تعرفين : لا شروط بيننا ، لا أسباب . أيًا كان ما بيني و بينك _ لا أحب توصيف الأمور _ حر من أي سبب ، المسافات بيننا ربما كمال ، لست مهتمًا هل تذكرين وجهي أم لا . أقول لنفسي أني عرفتك مصادفة _ ألف شكر للمصادفة السعيدة _ و لا أسباب ، و أنا تقاربنا بسبب و زال . كل شيء هو ما يبقي بعد زوال أسبابه . شتان أنا و أنتِ و غيمتان . هذا القليل بيننا كثير جدًا .
أعرف أن القلق يحوذك مرة أخري ، أنكِ لم تعودي تحملين عبء شخصك وحدك ، لا تحبين نفسك ، و أنها القاهرة لكِ ، إنه لشيء مؤلم أن يكون المنقذ هو القاهر لنا . لا تعرفين كيف تربطين البداية بالنهاية ، لا تجدين مبررًا لأمورك ، تقولين أنكِ سيئة لكن ليس لهذا الحد و تشكين في طيبتك ، تريدين الابتسام و لكنك تشعرين بشيء آخر ، تحاولين البكاء ،و لكنك تشعرين بشيء آخر. كنت تريدين الاحتفاظ بأمور و لا تستطيعين ، تريدين النسيان و لا تقدرين . و لا تفعلين هذا الشيء الذي تريدينه لأنك خائفة ألا يعني شيء . السنين تمر فارغة من أمامك و تتسائلين كيف تملئينها .
لستُ معنيًا بشعرك الفاحم . لستُ معنيًا بعينيكٍ الوديعتين . لستُ معنيًا بصوتك المتهدج كڤايلون . لستُ معنيًا بمعمار جمالك . معنيٌ بصياغة روحك ، بالحمام و الأزهار الزرقاء في قلبك . لا ضير أن تواري ابتسامتك ، حتي الملائكة تتعب من ابتسامتها و بياضها . لا ضير من القلق حين يستعصي النوم في منتصف الليل ، ربما يستثيرك للرقص . لا ضير ان تنزوي في غرفتك ، الزهرة تنزوي في ظل شجرة .
كثيرةٌ أنتِ
كثيرةٌ جدًا .

.أذكرِك أنكِ حلوة.

الرسالة التاسعة لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 ما أردته و أنا صغير هو أن أكون حدادًا ،كنت مبهورًا بالحدادين ؛ كيف يستطيعون تشكيل وردة من الحديد القاسي ، مع كل طرقة يرتد ذارعهم أقوي و أقدر علي حمل و إزالة أشياء أثقل . كنت أحب الفحم بشفقة ، كونه أسود و يتأفف الناس من رائحته .
كما أحب العاهرات يجعلن من رحمهن ، منبت الحياة ، صندوق نفايات للرجال ، الذين يذهبون إليهن ، ليفرغوا شهواتهم و .. أسرارهم ، لأنهم دون عناء سيبدون بجانبهم _ أي العاهرات _ أكثر نظافة .
أي معرفة عاجزة عن أن تبين لنا ما قيمة له و ما لا قيمة له . لطالما تحكم الخوف في الناس ، ودفعهم خوفهم ، للنزاع وحملهم علي العنف كي يجعلوا أنفسهم سادة لغيرهم أو بحثًا عن أرباح و انتصارات . و ما نسوه في غمار خوفهم أن الانتصار لا يعني شيئًا . و أن الحياة تعادل خالص ، بداية و ميلاد ، نهاية وموت .
الذين يدعون امتلاك الايمان الكامل و الحقيقة اليقينية ، يريدون أن يروا العالم مرايا لهم يرون فيها أنفسهم .
نحن نحاول أن نعرف الأشياء بصورة أفضل ، أما عن الحقيقة اليقينية ، فلا أحد يعرفها ، و لن يعرفها . أو أنها مرت مرة بأحد و لم ينتبه لها ، و منذ ذلك ، لم تظهر .
نحن دائمي إحراز الأهداف في الحياة ، لكن أهداف أخري تلهينا عما أحرزناه ،
و الخوف حاضر يشوش الأمور .
أعرف أن خوفك صار عبئًا عليكِ ، و أنه حين نبت خوفك ، لم ينتبه أحد له و أنك تحملينه وحدك و أنكِ أرق من أن تحتملي متاعب الحياة و أنتِ حساسة جدًا ، فلستِ تقبلين معونة و لكنكِ لستِ من القوة بحيث تستغنين عن المساعدة .
تعرفين : الخوف يلتبس الجميع ، حتي الذين لا يخافون شيئًا ، يخافون كل شيء ، لأنهم يخافون أن يخافوا يومًا من شيء.
لم يعد أحدًا شجاعًا يا عزيزتي .
أعرف أن يدكِ أعيتكِ ، ما تكتبه ، ليس ما أردتِ أن تكتبيه . عيناكِ أعيتكِ من التحديق في الوافدين . أعيتكِ " الرغبة في أن تكوني هنا ، بين الناس منصرفةً عنهم أو إليهم " تبادلينهم بسمة زائلة ، و ترين أن اقامتهم لن تدوم .
" الذين لا يعرفون إلا اسمكِ " ، نهوكِ عن الوردة لأنهم لم يروا أعلي من الشوك ، قالوا لكِ : " أمسكي بفأس " لأنهم لم يروا غير الشجر اليابس .
صدرك ، الذي يؤلمك ، مجرد تعب . عيناكِ الشاردة بوضوح تظهر فيهم كل إنش من روحك . لا ، ليس هناك ظلمة أو شيء متحجر، الشمس في قلبك ، لن تخبو . و خوفك هذا ألم يضيء . إنكِ حقً قوية و تطوين قيمتك بداخلك و هذا الصمت ليس إلا سكون عذب . شعرك ، الذين تحسينه ثقيل حين تمشطينه يصلح عريشة ، للفراشات.
لكِ كل شيء ، كل شيء يليق بأزرق روحك .
أنتِ حلوة
أنتِ لا تعرفين قيمة نفسك .

.أذكرِك أنكِ حلوة.


الرسالة الثامنة لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
نشبه البيوت كثيرًا . الأحلام المتغلغلة في البيوت ، تنتظر فرصة تواتيها ،لتشتبك بغصن شجرة أمام البيت لربما ،تعيش مرة ، قبل ضمورها .
كل حمل ثقيل يُخلِف شرخًا ، و كل شرخ يتواجد ربما يمكن اخفاءه ، لكنه لا ينبري يظهر . الشروخ لا يمكن معالجتها أبدًا . حين تتراكم الأحمال ، تزداد الشروخ ، يصبح كل شيء ثقيل علينا . وقتها ، يحاول الواحد أن يلتقط نسيانًا ، أو ينال غفرانًا . حين تتهالك البيوت ، تحلم أن تسقط بنظافة ، أن يكون انهيارها عمودي و دون غبار ، كما نحلم _نحن _ بموت نظيف _ لا شيء يدل علي وجودنا أو للدقة رحيلنا _ حين تستهلكنا الأمور تمامًا .
أحاول دائمًا أن أكون شخصًا حقيقًا ؛ لا ينتظر أحدًا أو شيئًا . أحاول أن أقوم بالأمور ، أقدم شيئًا ، بهدوء . ليّ عظة في نسمة الهواء التي تعطي الحياة ، تنسل للرئتين و تخرج ، بهدوء ، لا تنتبه للمدخنين أو الأصحاء أو المرضي بالسل . أحاول أن أقدم لكِ شيئًا ، أن أكون عونًا لكِ ، كوني مستمع جيد لا يكفي . ما أصعب أن يكون الواحد صديقًا لإمرأة .
نحن لا نكون أبدًا ، نحن نصير . يصير الواحد شيئًا جديدًا _ربما بالسوء ، ربما بالحسن _ في كل لحظة . الأمور تُشكلنا بطريقة ما حين نحاول نحن تشكليها . نعثر علي الأشياء مصادفة و تتركنا دون انتباه .
لا أعرف أبدًا حكمة ، كل شيء يستحوذنا و لا يبرح أعيننا كرمد ، أو عادة اليد في ارتباكها حين تمسك بشيء . هل الأشياء التي تهرم أم نحن ؟ تبهت ؟ أم الصورة العالقة في أعيننا تصير مرتبكة ؟
الواحد رجاؤه حين تزول الأشياء ، يزول معها .
الحياة ، ربما شارع متعرج نعبره كل صباح وما نحلم به نعبره دومًا دون انقطاع أو حاجة لاستراحة أو سؤال :" ماذا حدث للفرح " و لا ينال منا الوقت .
أنتِ هناك في مكان ما ، و أنا هنا بعيدًا عنكِ ، أسمعكِ تقولين لي : أنكِ أخطأتِ في أمر تجهلينه ، و أنكِ تحاولين التمرين كل يوم لعلك تهتدي لصواب أمورك ، لكن رعب رحيل الأشياء يتلبسك ، ترين كل شيء أمام الهاوية .
النهار و الليل يتصارعان علي نصيبهما كل يوم . الشمس تشرق علي استحياء ، و القمر يحاول أن يظهر كامل النور .
تعرفين : الخسارات و الهزائم ، تحيد الأمور أمامنا ، و ما نفعله ، نحاول ألا نفقد الشغف .
ما ينبغي للواحد أن يهتم له ؛ يحافظ علي روحه من الخراب . يُسكت أي يأس يحاول اخراس حنجرته .
لديكِ صوت ، ليس مهمَا أن تظهري علي حق أمام أحد . من أنتِ ؟ هذا سؤال الآخرين و لا حاجة لكِ به ، أنتِ أنتِ بكل ما أنتِ . تحتشد الرغبات في رأسك ، تذهبين للنوم بصفاء دون نظرة غائمة ، تنهضين في الصباح بشجاعة ، كل الأشياء تصير في احتمالك ، تفعلين ما تحبين دون دوافع ، و تبعدين عما تكرهين دونما حاجة لذرائع . الفراشات التي تشوش تفكيرك حين ترف بجناحيها ، تكون بين يديكِ
عالمكِ أبسط من وردة ، العالم بوصفه
أنتِ .

.أذكرِك أنكِ حلوة.


الرسالة السابعة لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 أحب دودة القز لا لأنها لا تحب و لا تكره ما تقضم و تنتج الحرير كما أخبرتك .
أحبها بخوف و شفقة ككل استثنائي و مهمل في العالم . لا تخرج اليرقة للحياة
إلا في الربيع و لا تنسج الحرير إلا حين تصير فراشة ، لكن خروجها من شرنقة
الحرير يمزق الشرنقة . يعمد المربون للتخلص من أجنحتها ومن حياة الفراشة
نفسها بوضعها في الماء المغلي أو يكونون رحماء قليلًا ، يتركونها في الشمس
لأيام . أي فظاعة !
مشكلة كل واحد في هذه الحياة نفسه هو لا غير . لطالما كنت شغوفًا دائمًا
بالتواجد في المقاعد و مراقبة الأمور . الجميع يريدون أن يكونوا آلهة ، يتحكمون
في شئون غيرهم ، هذا يجب أن يحدث ، هذا لا يجب . يهربون من أنفسهم ،
خوفهم و فشلهم في محاولة السيطرة علي الأمور و كل ما يتسرب من بين
أيديهم. الكل يهرب من ذاته التي يريد تحقيقها . يبحثون عن أقنعة و مع كل قوة
تظهرها أقنعتهم ، خراب أكثر يطول روحهم .
أصعب ما يواجهه الواحد هو التعافي من الجهد الذي يبذله لتقبّل العالم وتقبّل
البشر الآخرين كما هم و أن يتقبلوه هم أيضًا كما هو . كل منّا يفعل ما بوسعه،
لكن أحدًا لن يفعل ما يكفي. كيف يصل من لم يُدرك كماله؟
أعرف أنكِ تخافين أن تنطفئ شمعة عمرك قبل أن تكوني قد عرفتِ نفسك .
تحاولين اسناد كل شيء بعينيكِ المضطربتين الحائرتين ، تبحثين عن شيء
في مرآة العالم ، لكن المرايا خرساء ، لا تُظهر شيء ، كل ما تُريدينه لذاتٍ
حقيقيةٍ ، يُدرك لا يُري . أنتِ قوية بمقدار قوة أضعف جزء فيكِ ، ما تتركينه
يسعي خلفك ما تسير وراءه يقودك ، الأشياء إما أن تقود لهدي ، أو تقود نحو
ضلال . لا تخضعي لشيء . صعب ؟ حاولي .
لا تبحثي عن شيءٍ حولك ، الحقيقة داخلك ، لا تضحين بما تعرفينه ، لأجل ما
يظنه الناس ، " كم خيال يا ترى للحقيقة الواحدة؟ "
سيكون عليكِ أن تصمدِ بمواجهة شيء آخر: إغواء الانجراف مع التيار .
ما من طرق مختصرة لأي شيء.. لا أقول بأن كل شيء صار صعباً ، أقول بأن
الصوت الذي يحفزك هو صوتك ، ذلك النور الداخلي هو أنتِ .
الحياة حلوة ، مثلكِ يا صغيرة ، كُفّي عن ظلال لا تشبهك . امتلئي .. بكِ ، أنتِ
أوسع من بلاد الناس .

.أذكرِك أنكِ حلوة.

الرسالة السادسة لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
 أعرف أن خوف منتصف الليل يستحوذ عليكِ وحدك مرة أخري.
الخوف يعتري الجميع . أنا أخاف المرض ، أخاف النوم ، التدريب اليومي علي الموت . أخاف الموت و كل شيء علي الجهة الأخري للحياة. نعيش مساقين بالخوف من العزلة و كل لحظة تهديدات مباشرة أكثر إزاء حياتنا وحريتنا وراحتنا . كُلُّ يخاف مما ينتظره . هل يعرف أحد ما ينتظره ؟
هل هناك رحيل مبكر فعلًا ؟ هل هناك وقت يجب أن نموت فيه لا قبله و لا بعده ؟ إنه السؤال المعلق دائمًا الذي يمنعنا عن الحياة .
هناك حاجة لمواجهة الخوف ، لكن المواجهة أحيانًا تكون بالهروب ، الهروب من الحياة نفسها .
كما هي الأمور دومًا ، هناك أحداث تقع ، يتوجب التعامل معها أو تجاوزها . التجاوز و النسيان هما ترياق الألم .
حين الهروب ، أشياء تنتهي داخلنا للأبد . علينا أن نتعلم العيش و نحن ناقصون ، نتعلم كيف نسير حاملين ثقل الحياة نفسها ، الاحباطات ، الفشل ، الخوف ، أشياء ليست جميلة بالضرورة . نتخلي عما هو ليس ضروريًا . ألسنا جميعًا نتعلق بأمور نصبغ عليها صفة الأهمية ؟ الأكاذيب التي نتظاهر أنها حقيقة ، المخاوف التي نتظاهر أنها قوة ؟
نخاف الوصول ، كل شيء نصل إليه يصبح عبء ، عبء الحفاظ عليه ، عدم التراجع عنه و الإضافة له .
الكمال ؟ ظل أمل مخادع . اليقين ؟ غرق بطيء . في فيلم " الحلاقة " الفرنسي ، ظل البطل يحلم بها و حبها ، انتحر بعد أن كان بين ذراعيها ، ظن أنه كاملًا معها ، خاف أن تتراجع ذروة الكمال تلك .
اليقين نفسه مميت . لا أبحث عن الكمال أو اليقين ، أبحث عن الطمأنية ، و أقصد بها ما يجعلني هادئًا ، ما يأتي ليأتي ، ما يرحل ليرحل . تلك الطمأنينة ، التي تجعلني اغازل العدم فاتشبع بالوجود ، امتليء بالضعف فاتشبع بالقوة . الطمأنينة التي تجعلني صفرًا حرًا لا شيء يتملكه _ أقصد يتملكني أنا _و يقوده .
أنتِ لستِ سيئة _ كما تظنين _ أنتِ خائفة تشعرين بالألم ، و لا أحد يدرك ما تعانين ، تخافين كل شيء : " أأنت هنا ؟ ألن ترحل ؟ " . يستحوذك شعور القط الأعور الذي يترفع الجميع عن مداعبته ، لا بورتريه تضحكين فيه بصدق معلق علي حائظ غرفتك. تخافين ، الآخر ، ذاك الذي في رأسكِ ، يقول لكِ ما عليكِ أن تفعليه ، ما يجوز و ما لا يجوز ، كل الأشياء التي تجعل منكِ كائنًا مدجنًا . تظنين أن كل شيء يموت من حولك ولا يمكنك فعل شيء حيال ذلك ، كانت الأمور تبدو سهلة في الماضي ، أبيض و أسود ، أمر صحيح و آخر خطأ .العالم الذي حلمتِ به ، تجدين نفسك فيه في معسكر المهزومين . كل هذا لأنكِ تريدين تبرير الأمور ولستِ بحاجة لتبرير شيء لأحد .
تدرين : ما يهم هو القلب ، ذاك الديكتاتور ، المركز ، الذي ككل مركز آخر ، حين ينهار ، تنحل الأشياء و تسقط . قلبكِ وفيًا للمسافات .
ستجدين القوة في مكامن هشاشتك ، تقولين بالظبط ما تعنيه ، لا تحاولين إرضاء الجميع ، تصيرين سيدة نفسك و تحبينها ، لا تخشي قول لا ، لا تخشي قول نعم ، حتي آخر قطرة في شمعة عمرك . تعبرين الحياة ، لا تكترثين للأشياء و رمادها ، تبقي مضاءة ثنيتك السكر في جانب فمك .

.أذكرِك أنكِ حلوة.

الرسالة الخامسة لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
الآن لا شيء سوي صوت جوني كاش ، أمام موسيقي اشاحة النظر عن النهايات المرتقبة :" I'll be what I am A solitary man Solitary man "
اتحدث إلي نفسي بقسوة و أقل لنفسي أني سجيني ، و لا أعرف إن كنت أصدق ذلك أم لا . إن العالم بالنسبة لي لم يعد كما كان ، لن أكون مبالغًا ، إن قلت لك أنني لست نظيفًا ، و لا أحد أيضًا ، مذنبون ، نكتم هذا بغية أن نتحرر .
أنا لم أعد كالسابق ، و أنتِ لم تعودي كالسابق ، لم تعودي بقدر صفائك ، كل شيء مشوش لديك ، عندما تمشطين شعرك ، تتحسسين رأسك جيدًا ، هل رأسك معك أم لا .
نحن كلنا في هذا السجن الواسع معًا بطريقة أو بأخري .فأنا سجين الظلام ، ونحن جميعًا سجناء أجسادنا أليس كذلك ؟
و إذا هربنا داخل عقولنا ، لوجدنا أنفسنا داخل فلسفة ذات جدران سميكة . و إذا هربنا من الحياة ذاتها فسنكون خلف قضبان الأبدية الشاهقة . إنه وجود محاصر فظيع !
الأسوء من الشعور بالألم ، التبلد الشعور باللا ألم ، اللا راحة . نميل إلي السخرية من الأشياء لأنها أسهل . أسهل من الحديث عن الحقيقة .
السخرية يأس قد تهذب .الأشياء لا تعني الأشياء ، لا تعني شيئًا .
المساءات لا تري لا تسمع ، لا تنجلي أبدًا ، دون ذكري و انتظار _ لا نفعل شيئًا لأننا ننتظر . حكايات كثيرة جفت علي جلد أجسادنا دون أن تحك قلوبنا ، فقط عرق ضال يملأ الفم .
الأمور معقدةُ تمامًا ، نسينا التدرب علي العودة إلي الأصول ، نسينا العودة إلي انفسنا .
حين لا أملك شيء لاخسره أصير أكثر شجاعة ، لست خاضعًا لشيء ، اهتم للأشياء الصغيرة ، ربما تصبح ذي قيمة .
لا أحد يغادر في النهاية ، يغادرون في منتصف الأمور ، حيث يصعب الوصول للنهاية أو العودة لمبتديات الأمور. لطالما كان الواحد وحده ، سواء كان في الحضيض أو الذروة .
أحقًا ، كان وهماً كل ما سرنا لنبلغه ،
و ليس لنا شيئًا نملكه
سوي ما نملك من رمية
نرد ؟!
الحياة مقامرة كبيرة ، خسارة أو مكسب ، من لا يقامر لا يخسر ، لكنه لن يكسب .
لا تروقني فكرة الخلاص ، الخلاص : خلاص من كل شيء / لا رغبة في الشمس لا النور لا الصباح ، لا متعة في البقاء في دائرة الحياة .
أحب النور ، أحب الشمس و أشعتها التي تذكرني بالمسافات الطويلة التي قطعتها قبل الوصول إليها .
العمي هو المتاهة ، جوع الروح ، ظلام بارد . لا شيء يمكنه أن يدفئ روح باردة .
الرؤية هي الطريق، ليست عين لوركا : " تنظر للأشياء لأنها لا تراها "
بل عين بيكاسو " je vois ce que je vois "
أري ما أريد .
الطريق طويلة ، لن تُنكس الأعلام أبدًا
الطريق مباركة
و إن لم تؤدِّ
و إن لم تؤدِّ

أُذكرِك أنكِ حلوة.

الرسالة الرابعة لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
ميلان كونديرا ، في روايته حفلة التفاهة ، يستعيد تحذير لينين مولوتوف لستالين ، بأنه يجري التحضير لانزال تماثيله ، رد عليه ستالين بأن ذلك ما يسمي نهاية حلم ، و أن جميع الأحلام تنتهي يومًا .
يجزم كونديرا _ علي لسان شخصياته _ بأن الناس متعة الخداع تحميهم و أن تلك كانت استراتيجيتهم جميعًا و أنهم أدركو منذ زمن طويل أنه لم ممكنًا تغيير العالم .
الحياة صراع الجميع ضد الجميع . الناس يلقون عار الشعور بالذنب علي الآخرين و يفوز من ينجح في جعل الآخر مذنبًا و سيخسر من يعترف بخطأ .
كونديرا ، الذي ذهب إلي فرنسا _ هربًا من التشيك التي هي بلده _ و سُلطت عليه الأضواء ، كتب بالفرنسية ، عومل علي اعتباره مضطهدًا و هاربًا من جحافل القمع الستاليني .
صاحب الأقنعة ، الفترة التي بلغ فيها شهرة عالمية ، كانت التشيك تخوض صراعًا مريرًا .
أليس المقنع شخصا خائفًا ضائعًا ، ظهوره علي حقيقته سيسلبه قوة القناع الذي يرتديه . غير أن أكثر الأقنعة قسوة ، تلك التي بلا ملامح ، الفارغة من أي معني ، التي تحيل الشخص إلي كائن مبهم .
الشاعر ( المناضل ؟) الذي كتب : " سندهب إلي أرض ستالين لنغرف قوتنا "
الطفل المدلل للنظام _ في بلده _ حتي عام 1968 ، الذي اتهمه فاتسلاف هافل بتعاونه مع الشرطة الشيوعية السرية ، رد كونديرا و كان قد تخلي عن اعماله التي كتبها في التشيك : " محاولة اغتيال لي "
كانت الكلمات تبدو ضئيلة أما رأسه الضخم .
كونه شريدًا ، لا وطن له ، بمكر داعر حقيقي ، حاول أن يصور العالم تافهًا ، يفلسف التفاهة و يضيف لها بعدًا وجوديًا ، ذلك يبدو مدعاة لاحترام أكثر !
خسر نفسه ، فخسر كل شيء
تفهمين ؟
خسر نفسه فخسر كل شيء .
ايفان كليما / مواطن كونديرا ، الذي جاءت شهرة الأخير علي حسابه .
كان في أمريكا لتدريس الأدب . حين انطلقت الدبابات السوفيتية ، لتضع نهاية لربيع براغ . هزته الأنباء ، وجد نفسه أمام قرار صعب يتعلق بالبقاء كغيره أو العودة إلي بلاده. قال الجميع : " لا ترجع ، سيرسلونك إلي سيبيريا " لكنه أحس بأن لا معني لبقاءه في الخارج و افتقاده ، ليس للغة وحدها أو الناس الذين يفهمونه ، إنما افتقاده نفسه .
عاد و اختار العمل في القمامة ، بقي يصارع روح براغ ، فضل كناسة شوارع مدينته علي منفًا يختاره .
كان _ مثلك _ يخشي الاشارة لشخصه ، لا يجرؤ علي التباهي ، يتردد في وصف نفسه .
سقطت الشيوعية و نُشرت رواياته و راجت بقوة . لم يكتب من أجل الشعارات . كان يكتب بصدق و عمق . لم يمت أدبه بانهيار حائط برلين و سقوط الشيوعية ، بل استمر روح حية ، تصلح لكل مرحلة .
ربح نفسه ، فربح كل شيء
تفهمين ؟
ربح نفسه ، فربح كل شيء
" استيقظتُ مرهقة ، أو علي نحو أكثر دقة ، لا شهية للحياة . هل شعرتُ للحظة بشهية للحياة ؟ لا أظن . لكن كان قطعًا لدي المزيد من القوة "
هذا ما تقوله كريستينا ، بطلة روايته لا قديسون و لا ملائكة .
تدرين : أنتِ تتخلين عن القوة التي تملكينها ، تتخلين عن شهيتك للحياة .
تغفرين للعالم و لا تغفرين لنفسك . لا تتعاملين مع ما أنتِ عليه .
أنتِ جميلة و قوية كما أنتِ : خوفك ، ترددك ، تمزقك ، الأحلام التي تروادك ، الحكايات التي تنقصك ، الزاوية الأشد ظلمة و نورك الأشد سطوعًا .
العالم يدور في فلكك ، لا غبار أن تكوني أنتِ . لا غبار .
دانيال بناك ، كاتب فرنسي _ الكثير لا يعرفونه و ذلك أفضل _ " صحراء شاسعة " هكذا كان يصف غباءه ، كان يخاف الهجاء و النحو و حفلات التعذيب بالقراءة . صار روائيًا لاحقًا ، هزم خوفه :" الخوف من القراءة يُعالج بالمزيد من القراءة . الخوف من النحو ، يُعالج بالمزيد من النحو . الخوف من عدم فهم النص ، يُعالج بالانغماس في النص "
الخوف من العالم ، يُعالج بالانغماس في العالم . نعم هكذا أنا كلاسيكي . المشاع أن تكتفي بالانزاوء في ركن غرفتك . ليس صحيحًا ، لن تتخطي خوفك ، دون الخروج من شرنقتك . العالم ليس كما حكت الجدات عن الأميرات التي يحملهن الفرسان علي خيلهم . نعم . لكن انكفاءك علي نفسك ، موت . العالم لا يزال مشبعًا بالمفاجآت .
علي الواحد أن يفي يما يدين ، و لو كان متأخرًا .
تدينين لنفسك بالكثير .

.أذكرِك أنكِ حلوة.

الرسالة الثالثة لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
أنتِ الآن هناك _ في مكان ما _ في ركن هادئ تختلين بنفسك .
الوقت منتصف الليل ، هل من رجاء يرتجي داخل الوقت ؟ موت الذاكرة ؟ النسيان ؟
أدخل الغرفة ،أغلق الباب و النوافذ ، أطفئ الضوء . يغلف الظلام كل شيء . شيئًا فشيئًا أصير كتلة فيه .
الضوء فاضح ، يميز بين الأشياء . لا وجه لمن لا يتظر نحو الضوء .
الظلام جيد ، يواري كل شيء تحت عباءته : الفضاء الخاوي ، المنحوتات الناتئة و علامات الاستفهام الكبيرة . الظلام جيد ، فيه ، لا دخل لأحد بأحد .
الظلام سكون . كل شيء ولد من سكون . الفجر من سكون الليل . الطفل من رحم أمه . الضوء يدين للظلام ، لا ضوء قبل الظلام .
الواحد حين يفقد الصلة بسكونه الداخلي ، يفقد الصلة بذاته ، و حين يفقد الصلة بذاته ، يفقد نفسه في ضجيج العالم .
معظم الناس يقضون حياتهم سجناء الانتظار ، أو لا يستطيعون الانفلات من قبضة الماضي . علي نحو ما يسابقون الأيام ! و لا أحد يسابق أيامه .
الخوف وحده ما يجعلنا نسرع ، الخوف من أن يأتي المنتظر و لا نكون في انتظاره .
الآن ، تجلسين هناك ، تراقبين العالم ، خشية أن يحصرك في شكل ما ، كونك سيئة ؟ العالم الذي لم يعد أحد يحبه أو يشتهيه. عالم الأعداء ضد الأعداء . العالم الذي أحببتيه و أهداكي دمعتين .
تدرين : خارج الانتظار ، لا يكون هناك ثمة حاجة إلي الآخر الذي نفرغ منه ، كمن يطبق كتابًا و ينام .
و لمَ الانتظار؟
الذي يمضي لنتركه يمضي ، لا نتعقب أثره و لا نناديه . هو أصبح خارج انتظارنا ، حرًا ؟ طليقًا ؟
الخوف هو ما يدفعنا لتقسيم الحياة : ماضِ ، حاضر و مستقبل . الشيء الحقيقي الوحيد هو الحاضر .
ما يحوذه الخائف أن ما كان قريبًا صار نائيًا ، و ما كان نائيًا صار في متناوله ، و يصير هو بالغ الضآلة بالنسبة للعالم ، بالغ الاضطراب .
نبلغ أقصي الخوف . من يبلغ أقصي الخوف لا يعد يخاف . كل شيء وسيلة لا غاية ، دون عزاء أو انتظار ما لم نملكه و ما لم يكن لنا . يستع البحر لننثر فوقه أوهامنا .
تدرين : تحضرين الآن . انظر إليكِ ، أنتِ البسيطة كالألف .
تحضرين الآن . تجدين نفسك . كامل الحياة بداخلك و لا شيء غير هذا يهم . كل ما هو عابر لا يهم .
تحضرين الآن . تفرجين عن شفتين . تبعثرين الضباب و تضحكين : للجائع ، المسافر الوحيد ، لأجل أحد من الذين مضوا لن يعود .
تنامين . تستيقظين علي وردتك و نجمتكِ العائدة . تخرجين للعالم بصفاء / دون وجع الرغبة في العودة إلي ما بات ركام .
سماء زرقاء
بحر أزرق
تهدين الفراشات الألوان كي تصير جميلة .
تتجددين و تسطعين
تحلمين بما يكون لا بما كان
تبتسمين
تحتلين الحاضر
تكتشفين فيكِ نورًا
تتجاهلين الوقت
و تربحينه
ماذا بعد ؟
ماذا بعد ؟
و الكون في اصبعك
الكون الذي
لكِ
وحدكِ .

.أذكرِك أنكِ حلوة.

الرسالة الثانية لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
الآن ، الأحوال هادئةٌ تمامًا ، انقضي النهار ، فارق الحياة ـ أو فارقته ـ من فارق ، حلّ ضيوف جدد عليها ، في كُلٍّ تُوج ذلك بصرخةٍ .
الليل يبدو مُمددًا حتي آخره ، القمر يتوسط السماء ، شاحبًا ، قد سئم حراستها .
السكون يدبّ في كل شيء ، يمتزج و الليل ككتلة واحدة ، غير مكترثة بالأسئلة أو الحسرات .
لا أحد يملك القدرة على نسيان العالم كما يفعل الأطفال ، أن يكون غير مسؤول ومستمتعًا به.
يحبون ما بين أيديهم فقط ، قد يبكون ما يغادر لحظات ، لكنهم ينسونه .
"تربية شوارع ، يخطفوا و يهربوا " سمعت ذلك من أحد ركاب الباص .
جعلتنا الدنيا ( تربية شوارع ) حقيقيين ، نحاول أن نخطف لحظات منها و نهرب ، بعيدًا عن صخب العالم .
لا يقلقني العالم ، لا يقلقني توصيف ( تربية شوارع ) ، من جاء لهذا العالم ينبغي أن يهدأ و ينتظر و لا يتوقع الكثير .
حتي و إن دعا العالم لأحد ولائمه ، لا اهتم ، فالكثيرين يعتذرون أو يموتون ، و أشباحهم تتوافد علينا في كل مكان .
ما يهم هو الروح و ألا يطولها خراب ، كلما ازدادت مرارة العالم لا تزداد صفاءً فحسب ، بل تزداد قوة الحلم ، يكون الطوفان الجديد من نوم الحالم و يقظته،الأرض التي لم يطهرها و لن يطهرها إلا مياه الأحلام ، حيث من يغرق هو الذي ينجو .
الماضي بالنسبة لي هو الماضي ، و لا أريد أن أعود إليه .
هل الأماكن هي نفس الأماكن ؟
هل النهار هو النهار لمجرد أنها نفس الشمس تشرق ؟
هل الليالي هي نفسها ، لمجرد أنه ظلام ؟
هل القلوب هي القلوب لمجرد أنها نفس الأجساد ؟
كل شيء أصبح ينتمي إلي حياة أخري .
المسافر يدرك أنه وصل لغايته ، حين يحس بأنه عاش حياته ، و أنه عاش ما يمكن أن يعيشه بأحسن طريقة ممكنة ، بحرية كاملة دون قيد أو شرط .
تدرين : يقلقني ،رغبتك عن مغادرة السرير ، و تعبك لأنك سترتدي ثيابًا تكرهيها و ترغمي نفسك على التصفيقِ والتلويحِ وتبادل الضحكات ،
يقلقني عدم حبك لنفسك ، شعورك بالخجل من أشياء كثيرة ،و نظرتك لحياتك كسلسلة من ندامات و أخطاء لا تغتفر .تتحملين الخوف وحدك ، تحاولين ارتداء الأقنعة كتعويذة ضد الخوف . تسلكين اتجاه التقهقر و تتنازلين عن ذاتك .
كل شيء لحظة من التقاطع الحاد ، تنتهي ، إما لصالحنا أو التماهي في الفراغ .
أعرف أنك تخافين الليل وحدك ، لأن لا أحد سيحكي لك قصصًا . “نحن جميعا نريد أن تحكى لنا قصص، ونحن نصغي إليها على نحو ما كنّا نصغي ونحن صغار، ونتصور القصص حقيقية، ومن أجل القيام بهذا فإننا نضع أنفسنا موضع الشخص الموجود في القصة، متظاهرين بأن في وسعنا أن نفهمه ."
لأجل سكينة الروح ، و شعف الأيام التي لم تولد ، لأجلك . ستكونين أنتِ ، و تحبين نفسك ، و لا تحبسينها خلف باب . لا تضيقين بالمفقودين ، و الأشياء التي لم تودعيها . النور سيملأ روحك . الفوضي ستضيع ، و كل شيء ضاق علي جسدك . سيطلع النهار علي قلبك و يجيء الصباح ؛ الهواءُ أصفى من عيونهم ، ولا أحدَ يتركُ أثراً في مرآة.
لأجلك ، ستكونين أنتِ ، دون حاجة لتفسير وجودك ، تتوحدين مع حركتك كفراشة ، تري الأمور بنور الندي علي جناحيها . سترين الأمور بنورك ،دون اغواء الانجراف مع التيار ، و لن يتجاوز ما مضي كونه ، عثرة في القلب .

.أذكرِك أنكِ حلوة.

الرسالة الاولي لـ تدرين : وليد حمدي اسرائيل

تدرين :
في الفقد كل شيء يقظ دائمًا . لا أحب الأسئلة ، علامات الاستفهام تدفعنا دومًا للكذب . ليس علينا معرفة شيء كلما ازددنا معرفة ازددنا يأسًا ، حتي الأسئلة التي نتوصل لاجابتها ، ندرك كم كانت تافهة .
يحركني دائمًا شعور غريب ، شيء مثل الموسيقي لا أفهم كنهه أبدًا ، الأصوات داخل عقلي لا تتوقف .
هناك أغنية مختبئة في كل شيء ، و لكل أغنية باب . نحن نطمح دائمًا لاسترداد ذواتنا لا أن ينسخ أحدنا الآخر ، نتشارك النقص في كل شيء ، قلوبنا تُكسر في مواجهات و نعيد بناءها ، لا رغبة في الكمال بل النور ؛ تتحول الأرض لغيمة من نور نطفو فوقها .
لكن النور لا يدوم ، الأيام كثيرة و الحياة قليلة ، الفجوات بين النور يملأها الصمت و الفراغ .
ان اتيح لي أن اختار بين الماضي و المستقبل ، لن اختار أي منهم ساختار الآن و الآن فقط ، الأبدية تتربص بيّ دائمًا ، لكن أجملنا هؤلاء الذين لم يريدوا شيء سوي ذاتهم و لم يستأثروا سوي روحهم . هؤلاء الذين يغادرون بهدوء _ خفيفين _تاركين مقعدًا لمن يأتي دون أثر لهم ، الظل مشكلة العابر .
هل علينا أن نعتاد الغرق ؟
صرنا نكافح بعضنا من الخوف ، نخاف اصدقاءنا ، الأمس ، الآن ، الغد ، نخاف .. انفسنا .
بعد أن اصابنا العمر بيقظة ، يجب تحرير الأمس منا أو تحريرنا منه ، حتي و إن كنا داخل موجة سوداء . دون الاسراف في الذاكرة ، الذاكرة الفخ الأكبر .
أصبحت اكتفي بأقل قدر ممكن من كل شيء و أصبحت في أحسن حال . " الذين بلا رغبات هم الأحياء حقًا ، لا شيء يقتلهم و لا يتركون ضحايا ."
إني أكبر و أصبح أكثر وعيًا بعدم تماسكي ، إني أكبر و أصبح أكثر مرونة . أشير للأيام كي تمر و أنا أضحك ، أضحك لأعبر حاجز الخوف من الأيام . كبرت و أصبحت أكثر جلدًا ، لا أخاف الهاوية و لا السقوط . عبثًا أركض وكلّ الإتجاهات هـاوية. عبثًا أصبح أكثر امتلائـًا بالحياة
إني أخافك ، و ابتعد ، أخاف يومًا أن تحرقك شمسي الواطئة ، اخال أن امسك بيدك و أقودها و أن هذا الدرب الذى أجتازه لابد من أن يوصلنا إلى نافذة النور .
أعرف انك تخشين فعل شيء لئلا تؤذي أحد ، تأذين نفسك لتحتمي خلفها ، تخافين الظلام الذي يؤذي الفراشات و النور الذي يؤذي الخفافيش
الأشياء المهمة ترتبط بنا فقط علي ما يبدو ، الحياة تخصنا نحن فقط . الحقيقة هي الراحة ، ما يجعلنا نري الأمور بنور ، نور تام .
ستمضي أيام و تكونين أنتِ. ستمضي أعوام و تكونين أنتِ ، كما أنتِ ، خفيفة روحك ، خفيفة حركة يدك ، خفيفة إلتفاتة رأسك. ستنقضي أعوام و لا تزالين تضحكين دون عناء ، دون رغبة في دور آخر ، دون خدش في ذاتك . ستنقضي أيام و تكونين أكثر حضورًا ، تغنين و تبتسمين لقنديل العالم المكسور . تقفين قدام المرآة دون أن يعكر صفو ابتسامتك شيء . الجميلات هنّ اللواتي يستطعن الوقوف طويلًا أمام المرآة وهن يحافظن على ابتسامتهن . لأنّهن لا يسمحن لأي انعكاس ما، أن يعكر صفوهن .
رغم كل السوء في هذا العالم ، هناك أشياء جميلة
أنتِ مثلًا .
  • أذكرِك أنكِ حلوة.

حقوق الطبع والنشر ، محفوظة لـ مجلة انا وذاتي